بما أننا أبناء حضارة إسلامية عريقة أنجبت للعالم المعلمين البارزين في تاريخ البشرية.. (الفارابي).. (ابن مسكويه)... (ابن سينا) والعديد من العلماء والفلاسفة والمفكرين الذين ساهموا في صنع أو إغناء الحضارة الأوروبية فقد رأينا أن نركز على علاقة الإسلام بالغرب من خلال ما عُرف بـ(صدام) و(الحوار)
تردد في الآونة الأخيرة مصطلح (صدِام الحضارات) وأخذ هذا المصطلح يطفو على سطح الوسائل الإعلامية المسموعة والمرئية والمطبوعة وكأن العالم قاب قوسين أو أدنى من حرب كونية ثالثة سوف تأتي على السلالة البشرية بأكملها وراح البعض يرّوج لفكرة غريبة، وهي أن الدين سيكون شرارة هذه الحرب..
وما أن طغى مصطلح (صدِام الحضارات) على السطح، حتى ظهر مصطلح آخر وهو بمثابة الند أو الضد للمصطلح الأول وهو مصطلح (حوار الحضارات) ويرى أصحاب هذا المصطلح أو التيار أن الحضارات لا تتصارع ولا تتصادم وإنما تتكامل وتتبلور بحيث تعتمد كل حضارة على ما عند الحضارات الأخرى من علوم ومعارف وثقافات وعقائد، ويرى أصحاب هذا التيار أيضاً أن الأديان لا يمكن أن تكون بذاتها وسيلة للصدِام والمجابهة بل هي بذاتها وسيلة لتقارب الإنسان من أخيه الإنسان. وكما أن الدين وسيلة للتفاهم فإن الحضارة أيضاً هي خير وسيلة للتعبير عن احتياجات ورغبات الإنسان في العيش الهانئ دون اللجوء إلى لغة العنف مع (الآخر)
تعتبر العلاقة بين الإسلام والغرب من أهم النقاط التي يتم تناولها بالبحث والتحليل في العصر الراهن لما في ذلك من أهمية سوسيولوجية وأيديولوجية تتجلى من خلالها حالة الصراع والتفاعل بين رؤيتين ومنهجين في فهم الحياة والتعامل مع مفرداتها الغنية في كل مجال من مجالات الحياة.
بدأ الإسلام بدعوة الآخرين إلى الحوار وإلى تبادل وتعديل المفاهيم التي ترتبط بالواقع الوجودي والغيبي للإنسان، ورأينا كيف أن هذه الدعوة نجحت حيناً وأخفقت أحياناً وذلك عندما رفض ذلك (الآخر) قبول الدعوة إلى الحوار، وإلى تبادل الخبرات الحضارية التي يمكن أن تؤسس لحضارة إنسانية شاملة هدفها الأول الإنسان وسموه الفكري – الروحي...
ولكن على ما يبدو فإن الإسلام كدين وكحضارة كان ولا يزال ينظر إليه من زاويتين مختلفتين تماماً فالزاوية الأولى تتجلى بالنظر إلى الإسلام كدين مبني على أسس أديان سابقة عليه..
ويذهب البعض إلى أن المسلمين هم النصارى الذين توحدوا.
يرانا الغرب من خلال مفكريه ومستشرقيه.. و تتباين وجهات نظرهم تجاه الإسلام كعقيدة دينية نظرية وكممارسة عملية منعكسة على أرض الواقع لتشمل ميادين الحياة المختلفة بشقيها الديني والدنيوي..
وانطلاقاً من هذا الانفصام في الحضارة الغربية يجد ابن الحضارة الإسلامية نفسه أسير عدة تساؤلات تحثه على تحديد موقفه من الحضارة الغربية بتنوعاتها السلبية والإيجابية...
الحياة وحدة متكاملة، والإنسان جوهر هذه الوحدة وقطبها، ولما كان الإنسان قطب الوجود، كان من الطبيعي أن تكون بعثة الأنبياء وهونه بالارتقاء بالإنسان ورفعه قدر المستطاع إلى مرتبة الكمال التي تجعل منه خليفة حقيقياً لله سبحانه وتعالى على أرضه وعلى كل ما فيها، فمما لا شك فيه أن الأنبياء جميعهم جاؤوا وعملوا بإخلاص ليعينوا الإنسان في صعوده على مدارج الارتقاء والسمو.
الغرب هذه الكلمة التي تفصلها عنا مساحات شاسعة من الاختلافات في النظرة إلى الحياة وإلى مفرداتها الغنية، باتت وبحكم علاقتها بنا تعني لنا الكثير..
الخوض.. في ..المعاني التي تحملها لنا كلمة الغرب قد تكون غير واضحة المعالم عند البعض من أبناء مجتمعاتنا في العالم الإسلامي.
هل الغرب وصدامنا معه يعني لنا الصدام مع المسيحيين أو مع الديانة المسيحية؟
هذا هو السؤال الذي يكشف لنا عن حقيقة الصراع بين الإسلام والغرب.
فالغرب بالنسبة لنا لا يمثل المسيحية، وصدامنا واختلافاتنا معه ليس اختلافاً مع المسيحيين، بل اختلافاً مع أولئك الذين يتسترون بالدين المسيحي مثلما تستر العثمانيون بالخلافة الإسلامية، لقد أفرغ العثمانيون مثلما سبقهم إلى ذلك الأمويون والعباسيون، العقيدة الإسلامية من كل ما له علاقة بجوهر الدين وابقوا فقط على قشوره ومظاهره الشكلية الرتيبة فصراعنا مع الغرب إذا هو صراع بنفس الوقت مع كل من يحاول أن يسخر المسيحية كدين سماوي لصالح قادة سياسيين ومستثمرين اقتصاديين وتجاريين.